عبور أكبر صحراء رملية
عبور أكبر صحراء رملية
لقد كانت تجربة ثقافية رائعة ومدهشة في عالم الصحراء، تحديت خلالها نفسي للمشي لمسافة 200 كم لاستكشاف الربع الخالي، اخترت الجمل ليكون رفيق السفر. بدأت أولى محطاتي من منطقة شرورة، وهي مدينة تقع في جنوب المملكة العربية السعودية. يُعرف سكانها باسم أهل الرملة، حيث جاءت نسبة هذه التسمية إلى أن سكانها عاشوا كل حياتهم بالقرب من الصحراء.
تجهيزاتي لرحلة الربع الخالي (الربع الغالي)
أولاً، بدأت تجهيز نفسي جسديًا للمشي لمسافات طويلة باستخدام جهاز المشي وأنا ارتدي الحذاء الذي سأستخدمه في الرحلة حتى أتمكن من التعود عليه. لقد استخدمت أيضًا جهاز الدرج السلم مع حمل الوزن على ظهري لمحاكاة الكثبان الرملية. بالنسبة للرحلة الفعلية، استغرقت وقتًا طويلاً حتى أجد فريق الدعم للرحلة و لكي أجد الجمل رفيق الرحلة. و وجدت سمحة رفيقة رحلتي، والتي عرضت في نهاية الرحلة على شرائها لأنني أحبها حقًا ولكن دون جدوى.
الراعي الرسمي
التغطية الإعلامية
التحدي
إن السعي بلا هدف يجعل من الحياة لا جدوى منها، لهذا فقد وضعت نُصب عيني تحدياً للمشي مسافة 200 كم في الربع الخالي خلال 8 أيام، حيث كانت خطتي الأولى المشي لمسافة 25 كم يومياً خلال النهار.
الرحلة
بدأ التحدي من تحدي سابق حيث قطعت 200 كم سيراً على الأقدام من مدينة الرياض إلى المجمعة، وأردت بشكل آخر أن أحاكي طريقة السفر التي عاشها أجدادنا في الماضي. في اليوم الأول، وصلت إلى شرورة بالطائرة ومن ثم عبرنا حوالي 90 كم بالسيارة عبر صحراء الربع الخالي. وهناك كنت على موعد مع رفيق السفر والمغامرة “سمحة”، فهي تعرف في الصحراء ما لا أعرف، ولا أظنني أجد رفيقاً جدير بالثقة مثلها.
التعامل مع رفيق السفر
وبما أن خبرتي في التعامل مع الجمال تقارب الصفر،ولهذا أعطاني أهل الرملة إحاطة سريعة حول كيفية التعامل مع الجمل “الذلول”، وعندما غربت شمس اليوم الأول بدأت المسير مع سمحة. كانت التجربة رائعة جداً لدرجة أنني لم أتوقف للحظة. وبهذا تغيرت خطتي الأولى من عدم المشي ليلاً إلى المشي ليلاً، ومشيت أربع ساعات قطعت خلالها 12 كم. كنت محظوظاً في الليلة الأولى، لأني لم أكن بحاجة لاستخدام مصباحي، فقد كانت ليلة منيرة بضوء القمر، على عكس الليالي التي تلتها.
نسيم الحرية
في صباح اليوم التالي، استيقظت وأنا أشعر بنسيم الحرية ينتابني ويغمرني التفكير بشيء واحد فقط، الإسراع واستكمال المسيرة. طلبت من أهل الرملة أن يسبقوني وأن يقيموا معسكراً حيث سألقاهم، وعندها بدأت رحلتي بمفردي بدون توجيهات أو أي جهاز لمساعدتي في الإتجاهات. لقد وفر الفريق المسافر عبر السيارات متاعب السفر، حيث كان الفريق خلال النهار يقطعون 15كم لإعداد المخيم وتجهيز الطعام، وهكذا يفعلون من اجل مخيم الفترة المسائيه. رافقنا خلال رحلتنا مصورٌ للحصول على لقطات سريعة للرحلة أوثقها لكم يا أصدقائي. ومن ثم ينضم بعدها لفريق السيارة ليتسنى لي قضاء وقت ما أسميه وقت المرح (وقت العزلة). حيث كان الشمس والقمر يمثلان بوصلتي لاستكمال الطريق، ولأن المغامرة تحتم عليك أن تبحث عنها في أصغر الأشياء، خرجت تماماً من نطاق الرادار حتى أجد المخيم.
ليست كل الخيارات المتاحة صحيحة دائما
لم يسبق لي ركوب الذلول بدون أي مساعده، ولهذا قررت أن أجرب ذلك. قمت بايقاف ساعتي التي أحسب فيها المسافة التي قطعتها ومن ثم ركبت على ظهر سمحه. لم يكن خيار موفق ولم تكن فكرة جيدة! فالشيء الذي كنت أجلس عليه لم يكن محكماً تماماً، لذلك سقطت بقوة! أمضيت الكثير من الوقت في مطاردة سمحه في الصحراء حتى أمسكت بها. في منتصف الطريق.
احتضان الفرصة
صادفت شقيقين كانا يقودان سيارة مملوءة بالماء لسقي قطيعهما، و كانو كريمين بما فيه الكفاية ليسمح لي باستخدام الماء والاستحمام، حيث كان أمراً منعشاً للحد الذي لا أستطيع وصفه بالكلمات. وثقوا بي عندما أقول أن الماء هو الذهب الحقيقي. منذ أن تغيرت الخطه و قررت المسير ليلاً، تمكنت من عبور مسافة 200 كم في سبعة أيام فقط، بمعدل 25-30 كم يومياً خلال فترة 9 ساعات، 5 ساعات خلال النهار، و 4 ساعات خلال الليل.
قليلاً عن رفيقة الدرب
الجمال مخلوقات مذهلة، لم أر قط في حياتي حيواناً رائعاً مثل الجمل. كنت دائماً ما أتسائل كيف يحب أهالي الصحراء جمالهم كما يفعلون. لقد كانت نعم الرفيق الذي أضاف الروعه والمتعه لرحلتي. في اليوم الثالث، بدأت أشعر بها وتشعر بي، ثلاث أيام فقط كانت كافية لأن نشكل صداقة جميلة وكأننا نألف بعضنا منذ زمن بعيد. كانت صداقتنا قوية للحد الذي يمنعني أن آكل حتى تأكل، وكانت توقظني من النوم وكأنها تبعث فيّ النشاط لنواصل السير من جديد. في الصحراء، إن كان الجمل رفيق سفرك، فهو المتحكم وعليك احترام رغبته، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتلال الرملية. إن ظهرت علامات الخوف على الجمل، فلا تجبره على المسير، فهذا جزء مما تعلمته في استكشافي للربع الخالي.
إلى حين لقائنا مرة أخرى، لا تنسى أن تبتسم
شعور التجربة
كانت تجربة المشي تجربة مذهلة، حيث مررت بعدة تقلبات في الطقس، كانت تنخفض الحرارة تارة وترتفع تارة أخرى، مثل أفياش الإضاءة، فترتفع من أقل من صفر إلى أن تصل إلى ما فوق 30درجة مئوية. أسرني ذلك المشهد كثيراً عندما رأيت تلالاً من الحجارة السوداء وتليها الأراضي الفارغة و حفزني على المضي قدماً. كانت رمال الربع الخالي صعبة التوقع، حيث أنك تشعر في بعض الأحيان أنك تسير على قاعدة صلبة، ولكن في أحيان أخرى ترى قدميك تغرقان في عمق الرمال. في إحدى الليالي، أسرني القمر ببهاء منظره و ضللت طريقي من شدة الإعجاب، لكني سرعان ما تتبعت خطواتي إلى أن وجدت المخيم.